الفاعلون ونُظم الصفقات العمومية في موريتانيا: تقييم للإصلاحات واستشراف الآفاق/بقلم: محمد فؤاد براده |
السبت, 13 سبتمبر 2025 23:21 |
فالرقابة القبلية المطلقة قد تتحول إلى سلاح ذي حدين؛ إذ تحمي المال العام من الانحرافات، لكنها في الوقت نفسه قد تُقيد المبادرة وتُبطئ المشاريع الحيوية. ومن جهة أخرى، فإن تقييد صلاحيات السلطات المتعاقدة في مجال الإبرام والتنفيذ قد يفرغ الإصلاح من مضمونه، محولًا الصفقات إلى مساطر شكلية بعيدة عن جوهر الحكامة الرشيدة. أولًا: الرقابة القبلية – بين الضمانة والعائق
الإطار القانوني الحالي (القانون 024–2021) رسّخ الرقابة القبلية كأداة أساسية لحماية المال العام. لكن السؤال المطروح: هل يكفي النص القانوني لتحقيق التوازن بين الردع والفعالية؟ ثانيًا: اللجنة الوطنية للرقابة – سلطة معنوية أم مؤسسة مقيدة؟
تلعب اللجنة الوطنية للرقابة دورًا رقابيًا وإرشاديًا في آن واحد. غير أن إشكاليتها تكمن في طبيعة صلاحياتها: فآراؤها غير ملزمة قانونيًا، لكنها تحظى بنسبة امتثال تفوق 95%. ثالثًا: العتبات المالية – غياب التعريف أم غموض مقصود؟
يشكّل غياب تعريف دقيق للعتبات المالية ثغرة تُفتح أمام التأويلات. فهل هو مجرد نقص تشريعي أم مقصود لإبقاء هامش سلطة تقديرية واسعة؟ رابعًا: الكفاءة التقنية – بين النص والواقع
القانون لا يمنع الاستعانة بخبرات مؤهلة، لكن التطبيق غالبًا ما ينحصر في تمثيل إداري أو تسميات شكلية. والسؤال: كيف نضمن أن اللجان مشكلة من كفاءات تقنية حقيقية وليست مجرد واجهات إدارية؟ خامسًا: التكيّف القطاعي – نظام موحد لواقع متعدد؟
هل يمكن لنظام موحّد أن يستجيب لقطاعات مختلفة كالصحّة، التعليم، أو الجماعات المحلية؟ سادسًا: قطاع الصحة – المرونة المشروطة
اقتناء الأدوية والمستلزمات الطبية يطرح سؤالًا مباشرًا: كيف نلبي الاستعجال دون المساس بالنزاهة؟ سابعًا: الجماعات المحلية – بين المركزية والتبسيط البلديات والمجالس الجهوية تواجه تحديًا مضاعفًا: محدودية الكفاءات من جهة، وتعقيد النصوص من جهة أخرى. والسؤال: هل نبقى على مقاربة موحّدة تهمش التنمية المحلية، أم نعتمد إجراءات مكيّفة تعزز اللامركزية وتفتح المجال أمام المقاولات الصغرى؟ ثامنًا: العلاقات المؤسسية – من يملك سلطة القرار؟
الإصلاح لا يقتصر على النصوص، بل يتطلب إعادة هيكلة للعلاقات بين الفاعلين. الإشكالية هنا هي تداخل الصلاحيات: من يقرر؟ من يراقب؟ ومن ينفذ؟ تاسعًا: سياسة القرب – الحكامة بين المركز والهامش
تُطرح هنا مفارقة أخرى: كيف نطبق سياسة القرب بينما تُفرض معايير موحدة على جميع السلطات المتعاقدة؟ عاشرًا: نحو مقاربة مكيّفة
الإصلاح يمر عبر الاعتراف بالتنوع، أي تصنيف السلطات المتعاقدة وفق طبيعتها ومجال تدخلها، ومنحها مساطر متمايزة تراعي الاستعجال وحساسية الخدمات والبعد الترابي، مع تعزيز الرقابة البَعدية بدلًا من تضخيم القيود القبلية. الخاتمة تبيّن الإشكالية البنيوية أن الصفقات العمومية في موريتانيا تقف بين حاجتين متناقضتين: حماية المال العام عبر رقابة صارمة، وضمان التنمية عبر سرعة ونجاعة في التنفيذ. المنظومة الحالية تخضع لتشخيص معمّق، لكن الإصلاح المرتقب لن ينجح ما لم يُجب بوضوح عن سؤال التوازن: كيف نوفّق بين الشفافية والنجاعة دون أن يطغى أحدهما على الآخر؟
إن الرؤية المستقبلية يجب أن تُبنى على ثلاثية مترابطة: |