|
يشهد النقاش حول إصلاح منظومة الصفقات العمومية في موريتانيا اهتماماً متزايداً في الأوساط القانونية والإدارية، خصوصاً في ما يتعلق بإعادة النظر في منهجية تقييم العروض. ويتمحور الجدل بين مقاربتين رئيسيتين: مبدأ «الأقل سعراً» الذي يركّز على البعد المالي، ومفهوم «العرض الاقتصادي الأكثر فائدة» الذي يوازن بين السعر والجودة والقيمة المضافة.
يرتكز هذا التحليل على إبراز التحول المفاهيمي في تقييم الصفقات العمومية، من التركيز على الكلفة المالية إلى البحث عن القيمة العمومية الشاملة، مع توضيح الفوارق الجوهرية بين المبدأين وتبيان حدود تطبيق المقاربة الثانية في السياق الموريتاني.
1. مقدمة
تُعدّ الصفقات العمومية إحدى الركائز الأساسية لتنفيذ السياسات العامة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لما تمثّله من أداة فعالة لتوجيه الموارد العمومية نحو الأهداف الاستراتيجية للدولة.
وتحتل آليات تقييم العروض موقعاً محورياً في هذا الإطار، إذ تمثّل الأداة التي تُترجم من خلالها مبادئ الشفافية والمنافسة والنجاعة الاقتصادية.
وفي هذا السياق، يمكن التطرّق إلى مبدئين أساسيين يؤطران عملية التقييم في الممارسة العملية للصفقات العمومية، هما:
مبدأ «الأقل سعراً» (Le moins-disant)؛
ومبدأ «العرض الاقتصادي الأكثر فائدة» (Offre Économiquement la Plus Avantageuse – OEPA).
يمثّل الأول الخيار التقليدي المعتمد في النظام الموريتاني، في حين يجسّد الثاني اتجاهاً إصلاحياً حديثاً يسعى إلى تحقيق توازن بين الكلفة المالية والجودة الفنية ضمن مقاربة أكثر شمولية ونجاعة.
2. مبدأ الأقل سعراً: الأساس القانوني والممارسة الوطنية
يرتكز مبدأ الأقل سعراً على فكرة بسيطة مفادها أن جميع العروض المطابقة من الناحية التقنية تُعدّ متكافئة، وبالتالي تُمنح الصفقة للعرض الأدنى سعراً.
ويستند هذا المبدأ إلى غايتين رئيسيتين:
ضمان المساواة والشفافية بين المتنافسين؛
وتحقيق الاقتصاد في الإنفاق العمومي من خلال تقليص الكلفة الإجمالية للمشاريع.
|