
| إصلاح منظومة الصفقات العمومية في موريتانيا بين مبدأ “الأقل سعراً” ومفهوم “العرض الاقتصادي الأكثر فائدة”/محمد فؤاد برادة |
| الأربعاء, 05 نوفمبر 2025 09:29 |
|
يرتكز هذا التحليل على إبراز التحول المفاهيمي في تقييم الصفقات العمومية، من التركيز على الكلفة المالية إلى البحث عن القيمة العمومية الشاملة، مع توضيح الفوارق الجوهرية بين المبدأين وتبيان حدود تطبيق المقاربة الثانية في السياق الموريتاني. 1. مقدمة
تُعدّ الصفقات العمومية إحدى الركائز الأساسية لتنفيذ السياسات العامة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لما تمثّله من أداة فعالة لتوجيه الموارد العمومية نحو الأهداف الاستراتيجية للدولة. وفي هذا السياق، يمكن التطرّق إلى مبدئين أساسيين يؤطران عملية التقييم في الممارسة العملية للصفقات العمومية، هما: مبدأ «الأقل سعراً» (Le moins-disant)؛ ومبدأ «العرض الاقتصادي الأكثر فائدة» (Offre Économiquement la Plus Avantageuse – OEPA).
2. مبدأ الأقل سعراً: الأساس القانوني والممارسة الوطنية
يرتكز مبدأ الأقل سعراً على فكرة بسيطة مفادها أن جميع العروض المطابقة من الناحية التقنية تُعدّ متكافئة، وبالتالي تُمنح الصفقة للعرض الأدنى سعراً. ضمان المساواة والشفافية بين المتنافسين؛ وتحقيق الاقتصاد في الإنفاق العمومي من خلال تقليص الكلفة الإجمالية للمشاريع.
في السياق الموريتاني، ما يزال مبدأ الأقل سعراً يشكّل القاعدة العامة المعتمدة في صفقات الأشغال والتوريدات، استناداً إلى أحكام المرسوم رقم 2022-083 الصادر تطبيقاً للقانون رقم 2021-024 المنظم للصفقات العمومية. ورغم ما يتسم به هذا المبدأ من بساطة ووضوح في التطبيق، إلا أنه يتجاهل البعد النوعي المتعلق بجودة الإنجاز، وكفاءة المقاولين، ومدى التزامهم بالمعايير الفنية والبيئية، وهو ما قد ينعكس سلباً على استدامة المنشآت العمومية ونجاعة الإنفاق العام. 3. العرض الاقتصادي الأكثر فائدة: نحو مقاربة متوازنة بين الكلفة والجودة
يُعدّ مفهوم العرض الاقتصادي الأكثر فائدة من المقاربات الحديثة التي تسعى إلى تجاوز منطق السعر الأدنى، نحو تقييم أكثر شمولية يأخذ في الاعتبار القيمة الحقيقية للعقد على المدى المتوسط والطويل. المعايير التقنية: وتشمل المنهجية المقترحة، جودة المواد، تنظيم الورشة، خبرة الفريق الفني، الابتكار، السلامة، والاعتبارات البيئية؛
المعايير المالية: وتشمل السعر في حدود وزن ترجيحي محدد مسبقاً. 4. حدود التطبيق في السياق الموريتاني يواجه تطبيق مبدأ العرض الاقتصادي الأكثر فائدة في موريتانيا عدداً من التحديات القانونية والمؤسسية، من أبرزها: غياب نصوص تنظيمية واضحة تُجيز اعتماد نظام التنقيط في صفقات الأشغال؛ محدودية الكفاءات الفنية داخل لجان التقييم في إعداد المعايير الموضوعية وتحديد الأوزان الترجيحية لكل معيار من معايير التقييم؛ الحاجة إلى ضمان الشفافية والحياد في عملية التقدير لتفادي أي انحراف أو تلاعب محتمل بنتائج التقييم. ورغم هذه الإكراهات، فإنّ التوجهات الإصلاحية الجارية نحو مراجعة الإطار التنظيمي للصفقات العمومية تمثّل فرصة لإدماج هذا المفهوم تدريجياً، في أفق ترسيخ ثقافة القيمة العمومية بدل الاقتصار على السعر الأدنى. 5. نحو إصلاح يقوم على مفهوم "القيمة العمومية"
يمثّل الانتقال من مبدأ “الأقل سعراً” إلى مبدأ “العرض الاقتصادي الأكثر فائدة” خطوةً أساسية لترسيخ مفهوم القيمة العمومية في منظومة الصفقات العمومية. وتُتيح هذه المقاربة الحديثة: تحفيز المقاولين على رفع جودة التنفيذ والابتكار؛ تمكين الإدارة من تحليل الأداء الكلي للعقود بمنطق الكلفة والعائد المجتمعي؛ وضمان استدامة المرافق العمومية وتحقيق أفضل مردودية اقتصادية واجتماعية. ومن ثم، فإن تطبيق هذا المنظور يتطلب إصلاحاً مؤسسياً متكاملاً يشمل التكوين، والتقنين، والرقابة، حتى يصبح القرار التقييمي قائماً على معايير موضوعية قابلة للقياس والتحقق. 6. خاتمة
إنّ النقاش بين مبدأ الأقل سعراً ومفهوم العرض الاقتصادي الأكثر فائدة يتجاوز البعد الإجرائي ليعبّر عن تحول عميق في فلسفة الشراء العمومي. |