|
الجمعة, 14 نوفمبر 2025 07:48 |
|
رغم مضي أكثر من ستة عقود على استقلال موريتانيا، لا تزال القبلية تمثل أحد أبرز معوّقات قيام دولة المواطنة والمؤسسات. فقد تجاوز العالم منذ زمن منطق العصبية والانتماء الضيق، فيما ما تزال موريتانيا تدفع ثمناً باهظاً للولاءات القبلية التي تُفشل مشاريع التنمية، وتُقوّض أسس العدالة، وتُضعف مؤسسات الدولة.
أولا: القبلية – الواقع والإشكال
القبيلة، كتنظيم تقليدي، لعبت في السابق دوراً إيجابياً في حماية الأفراد، وفض النزاعات، وتحقيق نوع من التكافل. لكن في ظل الدولة الحديثة، تحوّلت إلى مصدر للتمييز، والفساد، والمحسوبية، وتهميش الكفاءات. فقد أصبحت:
- وسيلة للابتزاز السياسي.
- أداة لشراء الولاءات الانتخابية.
- قناة للوصول غير المشروع للمناصب والصفقات.
- غطاءً لحماية المفسدين.
ثانياً: الأضرار المترتبة على ترسيخ القبلية
1. غياب المساواة يُقصى الأكفّاء لصالح أصحاب النفوذ القبلي.
2. انهيار الثقة في الدولة: حين تتحول المناصب والخدمات إلى غنائم قبلية.
3. إضعاف الوحدة الوطنية: إذ تُذكي القبلية النعرات الجهوية والعرقية وتُفكك النسيج الاجتماعي.
4. تعطيل التنمية: المشاريع تُنفّذ وفق الولاءات لا الحاجة.
ثالثاً: كيف نقضي على القبلية؟
للقضاء على القبلية كعقيدة سلوكية وممارسة سياسية، لا بد من اعتماد حزمة شاملة من الإجراءات القانونية والسياسية والإدارية والثقافية والقضائية ، منها:
1. إجراءات تشريعية صارمة - تجريم الخطاب القبلي والعنصري والجهوي في الفضاء العام، بما في ذلك مواقع التواصل.
- سن قانون يجرّم استخدام الانتماء القبلي في التوظيف أو الترشح أو التعيينات.
- فرض عقوبات مشددة على المسؤولين الذين يتورطون في ممارسات قبلية، قد تصل إلى الإقالة والسجن.
2. الإصلاح الإداري
- اعتماد معايير شفافة للتوظيف والترقية تستند للكفاءة لا للولاء.
- إلغاء التعيينات المبنية على التوازنات القبلية والترضيات.
3. تعديل النظام الانتخابي
- منع الترشيحات القائمة على الانتماء القبلي أو العنصري أو الجهوي.
- تعزيز النظام النسبي المفتوح للحد من هيمنة الكتل القبلية.
4. التربية والإعلام
- مراجعة المناهج التربوية لترسيخ مفهوم المواطنة والهوية الوطنية الجامعة.
- توجيه وسائل الإعلام العمومي والخاص لمحاربة التمظهرات القبلية.
- إطلاق حملات وطنية لنبذ العصبية.
5. دور القضاء
- تمكين القضاء من فرض سيادة القانون دون محاباة لأي طرف قبلي.
- تسريع إجراءات البتّ في القضايا المتعلقة بالتمييز أو التحريض القبلي.
6. المجتمع المدني والشباب
- دعم الجمعيات والهيئات التي تشتغل على قيم المواطنة.
- إشراك الشباب في مبادرات مناهضة للقبلية من خلال الموسيقي و الفن، والإعلام، والرياضة.
7. إرادة سياسية عليا
- على رئيس الجمهورية والحكومة إعطاء المثال في التعيينات والسياسات العامة.
- وقف الخطاب المزدوج: لا يمكن محاربة القبلية بالشعارات مع استمرار ممارستها فعلياً.
خاتمة: موريتانيا أمام مفترق طرق: إما أن تتقدّم نحو دولة المواطنة و المؤسسات والقانون، أو تستسلم لعقلية القبيلة التي لا تنتج سوى الفشل والانقسام والركود. والإصلاح الحقيقي يبدأ من المواجهة الصريحة والجريئة، عبر القوانين الرادعة، والقرارات الجريئة، والتخلي عن المجاملة والتوازنات الزائفة.
فلا دولة دون مساواة، ولا تنمية دون كفاءة، ولا مستقبل دون
قطيعة حاسمة مع القبلية.
نواكشط في 15 نوفمبر 2025
السيد ولد الغيلان
|